سورة الأعراف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{المص}.
{كِتَابٌ} أي: هذا كتاب، {أُنْزِلَ إِلَيْكَ} وهو القرآن، {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} قال مجاهد: شك، فالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمة. وقال أبو العالية: حرج أي ضيق، معناه لا يضيق صدرك بالإبلاغ وتأدية ما أرسلت به، {لِتُنْذِرَ بِهِ} أي: كتاب أنزل إليك لتنذر به، {وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: عظة لهم، وهو رفع، مردود على الكتاب.
{اتَّبِعُوا} أي: وقل لهم اتبعوا: {مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي: لا تتخذوا غيره أولياء تطيعونهم في معصية الله تعالى، {قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ} تتعظون، وقرأ ابن عامر: {يتذكرون} بالياء والتاء.
{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} بالعذاب، {وَكَم} للتكثير ورب للتقليل، {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}.
عذابنا، {بَيَاتًا} ليلا {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} من القيلولة، تقديره: فجاءها بأسنا ليلا وهم نائمون، أو نهارا وهم قائلون، أي نائمون ظهيرة، والقيلولة الاستراحة نصف النهار، وإن لم يكن معها نوم. ومعنى الآية: أنهم جاءهم بأسنا وهم غير متوقعين له إما ليلا أو نهارا. قال الزجاج: و{أو} لتصريف العذاب، مرة ليلا ومرة نهارا، وقيل: معناه من أهل القرى من أهلكناهم ليلا ومنهم من أهلكناهم نهارا.
فإن قيل: ما معنى أهلكناها فجاءها بأسنا؟ فكيف يكون مجيء البأس بعد الهلاك؟ قيل: معنى قوله: {أهلكنا} أي: حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا. وقيل: فجاءها بأسنا هو بيان قوله: {أهلكناها} مثل قول القائل: أعطيتني فأحسنت إلي، لا فرق بينه وبين قوله: أحسنت إلي فأعطيتني، فيكون أحدهما بدلا من الآخر.


{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ} أي: قولهم ودعاؤهم وتضرعهم، والدعوى تكون بمعنى الادعاء وبمعنى الدعاء، قال سيبويه: تقول العرب اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين أي في دعائهم، {إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا} عذابنا، {إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} معناه لم يقدروا على رد العذاب، وكان حاصل أمرهم الاعتراف بالجناية حين لا ينفع الاعتراف.
{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} يعني: الأمم عن إجابتهم الرسل، وهذا سؤال توبيخ لا سؤال استعلام، يعني: لنسألهم عما عملوا فيما بلغتهم الرسل، {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} عن الإبلاغ.
{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} أي: لنخبرنهم عن علم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ينطق عليهم كتاب أعمالهم، كقوله تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق} [الجاثية، 29]، {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} عن الرسل فيما بلغوا، وعن الأمم فيما أجابوا.
قوله عز وجل: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} يعني: يوم السؤال، قال مجاهد: معناه والقضاء يومئذ العدل. وقال الأكثرون: أراد به وزن الأعمال بالميزان، وذاك أن الله تعالى ينصب ميزانا له لسان وكفتان كل كفة بقدر ما بين المشرق والمغرب.
واختلفوا في كيفية الوزن، فقال بعضهم: تُوزن صحائف الأعمال: وروينا: «أن رجلا ينشر عليه تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر، فيخرج له بطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة».
وقيل: توزن الأشخاص، وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة».
وقيل: توزن الأعمال، روي ذلك عن ابن عباس، فيؤتى بالأعمال الحسنة على صورة حسنة وبالأعمال السيئة على صورة قبيحة فتوضع في الميزان، والحكمة في وزن الأعمال امتحان الله عباده بالإيمان في الدنيا وإقامة الحجة عليهم في العقبى، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} قال مجاهد: حسناته، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.


{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} يجحدون، قال أبو بكر رضي الله عنه حين حضره الموت في وصيته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.
فإن قيل: قد قال: من ثقلت موازينه ذكر بلفظ الجمع، والميزان واحد؟ قيل: يجوز أن يكون لفظه جمعا ومعناه واحد كقوله: {يا أيها الرسل}، وقيل: لكل عبد ميزان، وقيل: الأصل ميزان واحد عظيم، ولكل عبد فيه ميزان معلق به، وقيل جمعه: لأن الميزان يشتمل على الكفتين والشاهدين واللسان، ولا يتم الوزن إلا باجتماعها.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ} أي: مكناكم والمراد من التمكين التمليك والقدرة، {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} أي: أسبابا تعيشون بها أيام حياتكم من التجارات والمكاسب والمآكل والمشارب والمعايش جمع المعيشة، {قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} فيما صنعت إليكم.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} قال ابن عباس: خلقناكم، أي: أصولكم وآباءكم ثم صورناكم في أرحام أمهاتكم. وقال قتادة والضحاك والسدي: أما {خلقناكم} فآدم، وأما {صورناكم} فذريته. وقال مجاهد في خلقناكم: آدم، ثم صورناكم في ظهر آدم بلفظ الجمع، لأنه أبو البشر ففي خلقه خلق من يخرج من صلبه، وقيل: خلقناكم في ظهر آدم ثم صورناكم يوم الميثاق حين أخرجكم كالذر. وقال عكرمة: خلقناكم في أصلاب الرجال ثم صورناكم في أرحام النساء. وقال يمان: خلق الإنسان في الرحم ثم صوره وشق سمعه وبصره وأصابعه. وقيل: الكل آدم خلقه وصوّره و{ثم} بمعنى الواو.
{ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} فإن قيل: الأمر بسجود الملائكة كان قبل خلق بني آدم، فما وجه قوله: {ثم قلنا} وثم للترتيب وللتراخي؟ قيل: على قول من يصرف الخلق والتصوير إلى آدم وحده يستقيم هذا الكلام، إما على قول من يصرفه إلى الذرية: فعنه أجوبة:
أحدها {ثم} بمعنى الواو، أي: وقلنا للملائكة، فلا تكون للترتيب والتعقيب.
وقيل: أراد {ثم} أخبركم أنا قلنا للملائكة اسجدوا.
وقيل: فيه تقديم وتأخير تقديره ولقد خلقناكم، يعني: آدم ثم قلنا للملائكة اسجدوا ثم صورناكم.
قوله تعالى: {فَسَجَدُوا} يعني الملائكة، {إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} لآدم.
{قَالَ} الله تعالى يا إبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} أي: وما منعك أن تسجد و{لا} زائدة كقوله تعالى: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} [الأنبياء، 95]. {قَالَ} إبليس مجيبا {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} لأنك {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} والنار خير وأنور من الطين.
قال ابن عباس: أول من قاس إبليس فأخطأ القياس، فمن قاس الدين بشيء من رأيه قرنه الله مع إبليس.
قال ابن سيرين: ما عبدت الشمس إلا بالقياس.
قال محمد بن جرير: ظن الخبيث أن النار خير من الطين ولم يعلم أن الفضل لمن جعل الله له الفضل، وقد فضل الله الطين على النار من وجوه منها: أن من جوهر الطين الرزانة والوقار والحلم والصبر وهو الداعي لآدم بعد السعادة التي سبقت له إلى التوبة والتواضع والتضرع فأورثه الاجتباء والتوبة والهداية، ومن جوهر النار الخفة والطيش والحدة والارتفاع وهو الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سبقت له إلى الاستكبار والإصرار، فأورثه اللعنة والشقاوة، ولأن الطين سبب جمع الأشياء والنار سبب تفرقها ولأن التراب سبب الحياة، فإن حياة الأشجار والنبات به، والنار سبب الهلاك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8